اذا اردنا ان نبين مميزات العماره الايرانيه بوجه عام و بدون ان ننفذ الي التفاصيل التي لاتهم غير الاختصاصيين يجب علينا ان نعرف المواد التي استخدمها المعمار الايراني، و أن نبين لاحقاً انواع العمائر التي شيدوها، و العناصر المعماريه التي ابتدعوها او نبغوا في استخدامها، ثم الاساليب الزخرفيه التي اتخذوها لتزيين المباني.
تؤكد العمائر المندرسه و الآثار المتبقيه منها حتي يومنا هذا ان المعمار الايراني استخدم الطوب و الحجر و الخشب. كان استخدام الطوب اعم، لان نقل الحجر من المحاجر كان يتطلب نفقات باهضه و لكنهم لم يكونوا مضطرين الي ذلك مثل اهل العراق، الذين لم يكن لهم يد في استخدام الآجر، لقله الخشب و الحجر، بينما كان الحجر و الخشب موجودين في ايران، فشيد الايرانيون في العصور القديمه بعض العمائر الحجريه، كما شيدوا في العصر الاسلامي بعض الابنيه من الحجر، لا تزال انقاض بعضها قائمه الي اليوم.
استعمل الايرانيون الجص و القاشاني في زخرفه العمائر، فضلاً عن استعمالهم الطوب نفسه في الزخرفه. فكانوا ينشئون منه الاشكال الهندسيه و اشرطه الكتابات و ما الي ذلك من الرسوم لتزيين العمائر و المآذن. و لعل استخدام الطوب و الاحجار الصغيره في العماره الايرانيه منذ العصور الاولي هو الذي صرف البنائين عن تزيين العمائر بالحليات المعماريه المجسمه التي نري مثلها في العماره القوطيه مثلاً، و التي لا يمكن اتقانها الاّ بنحتها في الاحجار الكبيره نحتاً دقيقاً. و فضلاً عن ذلك فان قله النفقات شجعت المعماريين الايرانيين علي كثره تشييد المباني و مهدت لهم طريق التجارب و الابداع فيها، مما لا يتيسر تماماً في العمائر الحجريه ذات النفقات الطائله.
و امتازت بعض المناطق الايرانيه، سيما شيراز و اصفهان باستخدام السقوف الخشبيه القائمه علي الاعمده، كما ان بعض المساجد القديمه كانت فيها اعمده من الخشب، و شيد الايرانيون بعض القباب الخشبيه الكبيره و لا سيما في قزوين و نيسابور.
التخطيط و الزخرفه في العمائر الايرانيه:
تأثر تصميم الايرانيه في الاسلام ببعض الاساليب المعماريه التي ورثها الايرانيون عن الفنون القديمه التي ازدهرت في الهضبه الايرانيه و في بلاد الجزيره، كالبهوذي الاعمده الرفيعه و المدخل ذي العقد الكبير، كما اختلف تصميم العمائر في بعض المقاطعات الايرانيه عنه في البعض الآخر. بحسب التقاليد المحليه و الاحوال الجويه، فكان اهل الشمال، مثلا بما فيه من البرد القارس يميلون الي المساجد المسقوفه المغلقه، بينما اقبل اهل الجنوب علي تشييد المساجد ذات الصحن و الابهاء المكشوفه.
و لكن تصميم المباني بسيطاً الي حد كبير، و كان المعماريون يعوضون هذه البساطه بالعنايه بالزخرفه و بالانتفاع بنضاره الالوان في الكسوات الخزفيه. و الواقع ان هناك تبايناً عظيماً بين ما في العمائر الايرانيه من بساطه المظهر الخارجي و ما ينبعث في داخلها من سحر جذاب و ثروه زخرفيه عجيبه.
و مما يزيد زخارف العمائر الايرانيه الاسلاميه، ما في رسومها من تعادل و تناسب، و من ذوق سليم، ادركها المعماريون بتقسيم الجدران الي اطارات او حشوات كبيره تناسب السطح و تخفف السأم الذي قد يبعثه التكرار المعروف في الطرز الاسلاميه عامه.
ان العماره الاسلاميه في ايران لا تمتاز بتنوع عناصرها المعماريه بقدر ما تمتاز بالذوق السليم، و الوضوح، مع الدقه و النسب الصحيحه المتزنه في جميع تلك العناصر و التأليف بينها.
العمائر الايرانيه و انواعها بعد الفتح الاسلامي
شيد الايرانيون في العصور الاسلاميه السالفه الكثير من المساجد و الاضرحه و المدارس و الاسواق و الخانات فضلاً عن القصور الجميله.
اما المساجد فقد كان اقدمها ذا ايوانات فيها اعمده او اكتاف. و كان استخدام الاعمده الخشبيه في بعض الاحيان سبباً في سرعه تهدم المساجد، و لكن استعمال الاعمده الحجريه او المصنوعه من الطوب اصبح شائعاً عن سائر المساجد في العالم الاسلامي في ذلك الوقت. غير ان الايرانيين لهم عناصر بحته في عماره المساجد كما في ابنيه المدارس، و هي كليات دينيه تشبه المساجد في تصميمها، و قد نشأت في ايران علي يد السلاجقه، الذين اتخذوها ـ كما اتخذها المغول و التيموريون من بعدهم ـ اداه لنشر التعاليم الاسلاميه. اما تخطيطها، فقوامه صحن مكشوف، تطل عليه قاعات ذات قباب، و يتكون من كل منها ايوان في وسط كل جهه من الواجهات الاربع التي تشرف علي الصحن، و تحف بالايوانات قاعات، في طابقين، يسكنها الاساتذه و الطلبه. و اقدم المدارس التي لا تزال قائمه في ايران مدرسه علي مقربه من المسجد الجامع في اصفهان، يرجع تأريخها الي منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).
و تعتبر هذه المدرسه اعظم الجوامع الايرانيه حيث خلط تصميمها بين المدرسه و المسجد ذي الايوانات و الاعمده او الاكتاف، و تمتاز بان ايوان القبله فيها كبير يتخذ للصلاه. و علي جانبيه قاعات ذات قبوات و يمكن الوصول اليها من الصحن، و فوق هذا الايوان قبه كبيره.
المراقد و الاضرحه
كانت الاضرحه في ايران اعم منها في سائر الاقطار الاسلاميه، و لا غرو فقد كان الايرانيون و لا يزالون يعظمون اولياء الله و يعنون بذكراهم. و كانت الاضرحه ابنيه مربعه و ذات قبه تشيد للاولياء و الصالحين، مما يكسبها طابعاً دينياً، بينما كان الامراء و الاميرات يدفنون في مقابر علي شكل ابراج. كما في قبر الست زبيده في بغداد، و هذا ما يعطي الدليل الدامغ علي ولوج الايدي المعماريه في بناء عماره بغداد. اما الاضرحه ذات القباب فلعل المعماريين تأثروا في بنائها بالعماره الهلينيه و المسيحيه الشرقيه، كما اخذ الامويون قبه الصخره في بيت المقدس و العباسيون القبه التي لا تزال في سامراء و التي يظن انها مدفن الخلفاء العباسيين المنتصر و المعتز و المقتدر. و من اقدم هذه الاضرحه الايرانيه ضريح اسماعيل بن احمد الساماني (907 م)، و ضريح السلطان سنجر السلجوقي (1157 م). غير ان مقابر افراد الاسر الحاكمه تكون علي شكل ابراجاً اسطونيه في معظم الاحيان، و لها سقف مخروطي الشكل، مما يثبت العلاقه الوثيقه بينها و بين خيام الامراء عند القبائل الرّحل في آسيا الوسطي. و كانت بعض هذه الابراج ذات جدران مضلعه فتصبح نجميه الشكل. كما في ابراج دماوند و الري و ويرامين. و عني الايرانيون بتشييد الخانات الضخمه لمأوي المسافرين و القوافل. و كان ابدع ما في عمائر الخانات مداخلها المشيده من الابراج و العقود الشاهقه، مما يكسبها الرونقه و الفخامه.
الاسواق و القصور
اما الاسواق في ايران كانت ـ كما في سائر الاقطار الاسلاميه طرقات ذات حوانيت صغيره، و لكنها امتازت بقبواتها العظيمه و عقدوها الضخمه، كنا نري في السوق الشاهاني بمدينه اصفهان.
اما القصور فقد كانت مظهرا من العبقريه الفنيه الايرانيه، لكننا اليوم نكاد لا نعرف عنها شيئاً قبل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) علي الرغم من انقاض مقر السلطان (الب ارسلان) التي عثر عليها في نيسابور و انقاض القصور الاخري التي كشفت في ساوه و الري، و في العصر الصفوي كانت القصور صغيره الحجم و كان كل ملك او امير يملك عدداً كبيراً منها. و قد وصف الرحاله الاوربيون الذين زاروا ايران في ذلك العصر ما شاهدوه من قصور، فاطنبوا في ذكر ما فيها من مظاهر الترف و النعيم و حسن الذوق. و ذكروا سقوفها الدقيقه، و اللوحات المصوره علي جدرانها، و الاثاث الفاخر، و اشاروا الي القاعات التي كانت تهيأ في جدرانها طاقات لوضع الاوراني الخزفيهْ و الزجاجيه الجميله، ان المعمار الايراني في القرن التاسع عشر كان يستخدم اضافه للزخرفه الرسوم علي الجدران و السقوف اضافه الي المرايا، اما الابواب فقد بالغ الفنانون في زخرفتها بالرسوم. و كانت جدران القصور في القرن الثاني عشر هجري (الثامن عشر ميلادي) تزين بلوحات زيتيه كبيره تغطي الاطارات التي تناسبها علي الجدران.
و لكن الملاحظ علي هذه اللوحات انها قد تأثّر رساموها بالاساليب الفنيه الغربيه. و يشك بعض المؤرخين ان تكون هذه اللوحات رسمت بايدي فنانين ايرانيين ـ و هذا ما يعتمده الغربيون دائماً في التشكيك لاي عمل كبير للشرقي بشكل عام و المسلم بشكل خاص ـ و انما لفانين غربيين نزحوا الي ايران طمعا بالمكافات المغربيه التي كان يتقاضاها الفنان في ايران، غير ان البعض يدحض هذا الرأي لكون ان بعض هذه الرسوم موقعه من قبل فنانين ايرانيين و خير الامثله لذلك اللوحات العشر النفسيه للدكتور علي باشا ابراهيم بالقاهره، التي اهداها اليها آنذاك شاه ايران، ان بعض هذه اللوحات مؤرخ سنه 1140 هـ (1728 م) و عليها امضاء المصور (زين العابدين).
العقد الايراني المدبب
عرفت العماره الايرانيه القديمه العقود نصف الدائره و العقود المدببه و العقود البيضاويه. و في القرن الثالث الهجري (التاسع ميلادي) شاع استخدام العقد المدبب، الذي اصبح من ميزات العماره الاسلاميه، و انتشر استخدامه في كل العمائر الايرانيه و صار ينسب الي ايران. حيث كان ارتفاعه يبلغ في بعض واجهات مساجدها زهاء عشرين متراً. و كانت العقود الفخمه تكسب المباني الايرانيه سحراً و جمالاً عظيمين، و في واجهات المساجد كانت القبوات و المقرنصات تزين باطن العقد. و تعلو المداخل الصغيره التي توصل الي داخل المسجد.
و اخيراً من المفيد ان نشير هنا الي اهم انجازات المعمار الايرانيه في بناء المساجد و المدارس و التي تجسدت في كل من:
1. مسجد الجامع في اصفهان تم بناؤه في القرن الثاني للهجره، و تبلغ مساحته 20 ألف متر مربع.
2. مسجد الامام سلطاني في مدينه اصفهان ايضاً تم بناؤه عام 1021 هـ، اي في عهد الشاه عباس صفوي. و يعتبر من الفنون النادره للقرن الحادي عشر للهجره و يحتوي المسجد علي منارتين يبلغ طول كل واحده منها 48 م و قد تم الانتهاء من بناء المنارتين في العام 1037 هـ
3. مسجد السيد و يعتبر هذا المسجد من الابنيه التاريخيه الشهيره في اصفهان يعود بناؤه للقرن الثالث عشر الهجري.
4. مسجد جامع شاه القديم، يعود تاريخ بنائه الي العصر الصفوي سنه 281 هـ و يعتبر هذا المسجد من اقدم المساجد في مدينه شيراز.
5. مسجد وكيل شيراز: و هو من الابنيه التاريخيه المهمه، شيد في القرن الثاني عشر للهجره، و قد تم بناء هذا المسجد في عصر كريم خان زند يحتوي علي صحن كبير و 48 من الاعمده الصخريه المزخرفه بالآيات القرآنيه، و فيه 14 سلماً صخرياً.
6. المسجد الجديد: يقع هذا المسجد في شيراز ايضاً و قد تم بناؤه علي ايدي أتابك سعد بن زنعي في القرن السادس للهجره.
7. مدرسه خان شيراز: يعود تاريخ بناء هذه المدرسه العلميه الي العهد الصفوي سنه 1024 هـ.
8. مسجد الشيخ صفي الدين و يقع هذا المسجد في اردبيل و يضم مجموعه كبيره من الابنيه التاريخيه الهامه. منها بقعه (عالي قابو) مقبره الشيخ صفي، مقبره شاه اسماعيل، مسجد جن مهرا، و يعود تاريخ اقدم مكان لهذه المجموعه الي النصف الاول للقرن التاسع للهجره و قد اكمل بناء هذه المجموعه التاريخيه في العهد الصفوي.
9. مسجد أغار كاشان: و تقع هذه المدرسه العلميه في مدينه كاشان و تعتبر من اشهر المدارس و اعرقها في القرن الثالث عشر للهجره (العصر القاجاري)، يضم هذا المسجد قبه كبيره و منارتين.
و اخيراً لم تعتبر المساجد و المدارس الآنفه الذكر، هي كل ما تحتويه ايران من ارث تاريخي اسلامي، بل ان هناك الكثير الكثير اذا اردنا ان نجمل في ذكر بعضها ليس الاّ.
المصادر
1. فنون اسلاميه.
2. مجله العالم العدد 201 سنه 1987.
3. المنجد.
4. الشيعه و التشيع لمحمد جواد مغنيه (اصفهان مدينه العجائب).
الوحده 198
من موقع:
http://www.e-resaneh.com/articlefiles/alemarat%20al%20islamiyah.htm